سورة التوبة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


حَرَّضَهم على القتال- على ملاحظة أمرِ الله بذلك- لا على مقتضى الانطواء على الحقد لأحد، فإِنَّ مَنْ غَضِبَ لنَفْسِه فمذمومُ الوصف، ومَنْ غَضِبَ لله فإنَّ نصرَ اللهِ قريبٌ.
وقال: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ}: فالخشية من الله بشير الوَصْلة، والخشية من غير الله نذير الفُرقة. وحقيقة الخشية نَفْضُ السِّرِّ عن ارتكاب الزَّجر ومخالفة الأمر.


هوَّن عليهم كلفةَ المخاطرة بالمهجة بما وَعَدَهُم مِن الظّفَرِ والنصرة، فإنَّ شهودَ خِزْيِ العدوِّ مما يُهَوِّنُ عليهم مقاساة السوء. والظَّفَرُ بالأَرَب يُذْهِبُ تَعَبَ الطَّلَب.
وشفاءُ صدور المؤمنين على حسب مراتبهم في المقام والدرجات؛ فمنهم مَنْ شفاءُ صدره في قَهْرِ عدوِّه، ومنهم مَنْ شفاءُ صدره في نَيْلِ مَرْجُوِّه. ومنهم مَنْ شفاء صدره في الظَّفَر بمطلوبه، ومنهم مَنْ شفاءُ صدرِه في لقاء محبوبه. ومنهم من شفاء صدره في درك مقصوده، ومنهم من شفاء صدره في البقاء بمعبوده.
وكذلك ذهابُ غيظِ قلوبهم تختلف أسبابه، وتتنوَّعُ أبوابُه، وفيما ذَكَرْنَا تلويحٌ لِمَا تركنا.
{وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ} حتى يكون استقلاله بمحوِّل الأحوال.


مَنْ ظَنَّ أنه يُقْنَعَ منه بالدعوى- دون التحقق بالمعنى- فهو على غَلَطٍ في حسبانه. والذي طالبهم به من حيث الأمر صِدْقُ المجاهدةِ في الله، وتَرْكُ الركونِ إلى غير الله، والتباعدُ عن مساكَنَةِ أعداءِ الله.. ثِقةً بالله، واكتفاءً بالله، وتبرِّياً من غير الله.
وهذا الذي أمرهم به ألا يتخذوا من دون المؤمنين وليجةً فالمعنى فيه: ألا يُفْشُوا في الكفارِ أسرارَ المؤمنين.
وأولُ مَنْ يهجره المسلمُ- لئلا تَطَّلِعَ على الأسرار- نَفْسُه التي هي أعدى عدوِّه، وفي هذا المعنى قال قائلهم:
كتابي إليكم بعد موتي بليلةٍ *** ولم أدرِ أَنِّي بعد مَوْتِيَ أكتب
ويقال: إن أبا يزيد- فيما أُخْبِرَ عنه- أنه قال للحقِّ في بعض أوقات مكاشفاته: كيف أطلبك؟ فقال له: فَارِقْ نَفْسَكَ.
ويقال إن ذلك لا يتمُّ، بل لا تحصل منه شظيَّة إلا بكَيِّ عُرُوقِ الأطماعِ والمطالباتِ لِمَا في الدنيا ولِمَا في العُقبى ولِمَا في رؤية الحال والمقام- ولو بِذَرَّةٍ. والحريةُ عزيزةٌ، قال قائلهم:
أتمنى على الزمانِ مُحَالاً *** أَنْ ترى مُقْلَتَايَ طَلْعَةَ حُرِّ

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8